الوشم... رؤية شرعية طبية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد انتشرت ظاهرة الوشم في أوساط الشباب في الآونة الأخيرة، وأصبحت تتطور بصورة تتلاءم مع الموضة والأزياء في محاولة للتقليد الأعمى لأهل الفن، سواءً كانوا من المطربين أو الممثلين أو الغرب ، فلعلنا نتوقف عند بعض القضايا المهمة حول الوشم وما يتعلق به من أحكام.
• تعريف الوشم:
الوشم هو ما يفعله البعض بجلودهم من غرز بإبر ونحوها، بحيث يخرج منها الدم ثم يصب في هذه الغرز مواد معينة لها ألوان تظهر على ظاهر الجلد بعد تجفيف مكان الغرز، وعادة تكون الغرز على أشكال أو كلمات أو نحوها وتبقى دائمة وثابتة لا تمحى.
وقد ظهر الوشم قبل الميلاد كما ذكره البعض وكان الرومان والإغريق يستخدمونه في دمغ العبيد، وكان اليهود والنصارى يمنعونه في بعض الأوقات.
• الهدف من الوشم:
قد يكون الوشم قد ظهر في العصور القديمة لبعض الحاجات ، لكن الناظر في حال الأمة الحاضرة فإن الوشم صار من باب التزيين وطلب الزينة، وفي بعض الأحيان إظهارا للرجولة والشجاعة، والبعض يضعه من باب الوطنية، والبعض يضعه من باب التقليد الأعمى، أو لإظهار انتمائه الديني أو السياسي أو الوطني، وكل ذلك من قلة العقل والنقص في الشخصية فضلا عن كونه محرما والعياذ بالله.
• حكمه والدليل عليه؟؟
الوشم محرم لدلالة النصوص على لعن فاعله، واللعن لا يكون على أمر غير محرم، كما يدل اللعن أيضاً على أنه من الكبائر. وقد ذكر في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «لعن الله الواشمات والمستوشمات» [رواه البخاري]، وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة» [رواه البخاري].
والمعنى الذي لأجله حرم الوشم هو تغيير خلق الله تعالى. بإضافة ما هو باق في الجسم عن طريق الوخز بالأبر، وكذلك إيلام الحي وتعذيب جسم الإنسان بلا حاجة ولا ضرورة. وقد نص حديث ابن مسعود السابق على العلة في قوله: «المغيرات خلق الله» [رواه البخاري]، وهي صفة لازمة لا تنفك عمن يضع الوشم على جزء من بدنه.
وكما لعن النبي صلى الله عليه وسلم (المستوشمة) وهي التي تطلب الوشم (لعن الواشمة) وهي التي تَشِمُ غيرها.
وقد ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتى عمر بامرأة تشم، فقام فقال: "أنشدكم بالله من سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الوشم؟"، فقال أبو هريرة: فقمت فقلت: "يا أمير المؤمنين أنا سمعت"، قال: "ما سمعت؟"، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تَشِمْنَ ولا تستوشمن» [رواه البخاري].
إن فاعل هذا الأمر وهو الوشم ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب... ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات»، واللعن هو الطرد من رحمة الله وهو لا يكون إلا في كبائر الذنوب، وعليه فحكم الواشمة أو المستوشمة واحد وهو التحريم. والمراد بالمستوشمة من طلبت هذا الفعل، وكذا فإن الوشم نوع من أنواع تغيير خلق الله المحرم لقوله صلى الله عليه وسلم: «المغيرات خلق الله» فاجتمعت علل التحريم لهذا الفعل بدون أدنى شك.
• وشم الصغار:
ذكر العلماء بأن البنت أو الولد الصغير الذي لم يبلغ لا يأثم إذا كان الوشم من فعل أبيه أو وليه، وذلك لأنه غير مكلف ولأنه لم يقصد هذا الفعل، لكن يأثم الفاعل وهو الولي سواء كان أبا أو أما لما ثبت من حكم الوشم.
• الوشم المؤقت:
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن ما حكم ما يسمى بالوشم المؤقت وهو عبارة عن صور تلصق على أجزاء من الجسم ثم تزول بعد أيام؟
فأجاب رحمه الله: "الحمد لله.. إذا كانت صوراً من صور الحيوان فهذا حرام لا يحل، وإن كانت صوراً عبارة عن أشجار وما أشبه ذلك من النقوش فلا بأس بها وتركها فيما أرى أحسن لأنه عبء على المرأة بزيادة الإنفاق ومراعاة هذه النقوش، فتركها أحسن". (مجلة الدعوة العدد 1741 7/2/1421هـ ص/36).
• لا فرق بين الرجل والمرأة:
قد يظن البعض أن هذا الحكم خاص بالنساء فقط دون الرجال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات» [رواه البخاري].
وهذا من الغلط لأن الحكم واحد، وإنما ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم النساء دون الرجال لأن غالب من يفعل هذا الفعل هن النساء، والقاعدة الشرعية تقول أن الحكم الشرعي للرجال والنساء معا إلا إن دل دليل يخصص الحكم لجنس دون آخر.
• ولا تعاونوا على الإثم والعدوان:
همسة في أذن المسلم...
إن الواشم و المستوشم في الحكم سواء..
واللعنة قد حلت عليهما، فلا يظن أحد أن النهي الشرعي يقع فقط على طالب الوشم وهو المستوشم فقط، وكأن الواشم لا علاقة له فيه بل النص النبوي واضح وصريح: «لعن الله الواشمات والمستوشمات» فالواشم وطالب الوشم في حكم واحد.
• محذورات أُخرى!!
أخي القارئ الحبيب..
إن طلب الوشم وفعله يحتوي على محذورات كثيرة ومفاسد عظيمة، ولو لم يثبت إلا اللعن النبوي لفاعله لكفى، لكن الأمر أعظم من ذلك، كما هو مشاهد.. ومنها:
1. اللعن والطرد من رحمة الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم: «لعن الله الواشمات والمستوشمات» [رواه البخاري].
2. تغيير خلق الله تعالى وذلك لقول الله على لسان الشيطان {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ} [النساء: 119]، فهو من عمل الشيطان ومقاصده ولقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الواشمات ذاكرًا علة التحريم «المغيرات لخلق الله».
3. ما يقع من كشف للعورات وفضح للسرائر والأجسام عند نقش هذه الأمور ومعلوم أنه يجب ستر العورة... فيا ليت شعري فيمن تضع الوشم على صدرها أو ظهرها وما شابه ذلك من أماكن العورة.
4. ما يقع فيه كثير من المسلمين في التشبه باليهود والنصارى أو الفسقة في هذا الفعل... فالبعض يقصد بالوشم التشبه باللاعبين أو المغنيين أو الفنانين، وهذا محرم لأنه لا يجوز التشبه بالكفار بل قال صلى الله عليه وسلم: «يحشر المرء مع من أحب» وهي التبعية العمياء المذمومة.
5. ومن المحذورات ما يقع من البعض من الاعتراض على قدر الله تعالى فإنه حينما غير خلق الله بهذا الوشم قد يقع في قلبه أن الله تعالى لم يخلقه في أحسن تقويم ، والله سبحانه قال: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، فيقع في قلب الواشم المغير لخلق الله تعالى سوء الظن بخالقه، والله المستعان.
6. ما يقع من جراء هذا الفعل من أمراض جلدية معلومة عند أهل الطب، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» [رواه ابن ماجه].