قائدات:
هند بنت عتبه
دخل رجل على هند بنت عتبة وهي تحمل معاوية فقـال لها: إن عـاش معاوية سـاد قـومـه قالت: ثكلـته إن لم يَسُد قومه
وكان معاوية إذا نوزع الفخر يقول: أنا ابن هند.
وكان عليٌّ يقول: أنا الذي سمَّتني أمي حيدرة (والحيدرة من أسماء الأسد).
ويقولون: وراء كل عظيم امرأة والمرأة لها دور كبير في تخريج القادة إذا تأسّت بالصحابيّات الفضليات أما إذا أصبحت همَّتها في الرقص والغناء ومتابعة الموضات وارتياد شواطئ البحر ودور السينما والمسرح – أضاعت نفسها وأضاعت الأمة من حولها وخلفت أشباه الرجال ولا رجال شباب قنع لا خير فيهم وبُورك في الشباب الطامحين . والفارق كبير بين تربية السادة وتربية العبيد لقد وُجدت أجيال تربَّت على سموم الفرعونية والبابلية والوطنية والقومية والاشتراكية والديمقراطية ولم تعرف شيئًا عن دينها فهل يُقال عن هؤلاء قادة المستقبل وجنود معركة المصير؟!!.
إنَّ الواحد من هؤلاء قد لا يصلح لأن يقود نفسه أو بيته فكيف يُطلق عليه وصف القائد والزعيم وفاقد الشيء لا يعطيه فالقيادة ليست تسلطًا ولا قهرًا ولا جبروتًا ولكنها أمانة وكفاء بصيرة بالأمور وعلو همَّة صبرٌ وثبات وثقة بنصر الله وطمأنينة إلى تأييده نحرص على توافر الشروط الشرعية فيمن يقود فالخليفة والحاكم ينبغي أن يكون ذَكَرًا حرًا عاقلاً عدلاً مُجتهدًا في دين الله على معرفة بأمر الحرب وتدبير الجيوش وسد الثغور وحماية بيضة المسلمين لا تأخذه رقة في إقامة الحدود الشرعية….
فالخلافة موضوعة لإقامة الدين وسياسة الدنيا به والولاية والإمارة تكون للأمثل فالأمثل ولابد فيها من القوة والأمانة ولا يجوز الترأس بالجهالة ولذلك قالوا: تفقهوا قبل أن ترأسوا وقالوا: تفقهوا قبل أن تسودوا أي قبل أن تصبحوا سادة وقادة أما الاكتفاء بمعرفة البروتوكول في تناول الطعام والشراب والمشي وقراءة كتاب الأمير لميكيافيللي فهذه الأمور لا تصلح لتربية الجنود فضلاً عن تخريج القادة. ومع حرصنا على الأخذ بالأسباب الشرعية لابد وأن تعلم أنَّ القيادة من قبل ومن بعد فضل من الله يؤتيه من يشاء فالمؤهلات والقدرة وتذليل الصعاب ومحبة الرعية لقائدها وانقيادها له كل ذلك محض فضل وتوفيق من الله وهذه الأمة قد أنيط بها إقامة الحق في الخلق وقيادة البشرية بأسرها ( كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ ) [آل عمران: 110] ( وعّدّ اللَّهٍ الذٌينّ آمّنٍوا مٌنكٍمً وعّمٌلٍوا الصَّالٌحّاتٌ لّيّسًتّخًلٌفّنَّهٍمً فٌي الأّرًضٌ كّمّا اسًتّخًلّفّ الذٌينّ مٌن قّبًلٌهٌمً ولّيٍمّكٌَنّنَّ لّهٍمً دٌينّهٍمٍ الذٌي ارًتّضّى لّهٍمً ولّيٍبّدٌَلّنَّهٍم مٌَنً بّعًدٌ خّوًفٌهٌمً أّمًنْا يّعًبٍدٍونّنٌي لا يٍشًرٌكٍونّ بٌي شّيًئْا ) [النور: 55] .
فإذا كنَّا قد أصبحنا غثاءًا كغثاء السيل فهذا لا يمنعنا من النهوض والأخذ بالأسباب لوراثة الأرض بالحق والعد وإقامة خلافة على منهاج النبوة وهذا يتطلب منَّا إيجاد المسلم بمفهومه الحقيقي بحيث تتوافر فيه الصبغة الإلهية والثبات على الحق ومعاني العزة والمجاهدة والبصيرة والأوبة إلى الله وإدراك الغاية من الحياة وغير ذلك من المعاني التي تُؤهل المسلم لأن يُناطح السحاب تهتز الجبال ولا تهتز معاني اليقين في نفسه يصنع كما صنع ربعي بن عامر عندما دخل على رستم قائد الفرس فسأله: مَنْ بعثكم؟ فأجابه ربعي: «ابتعثنا الله لنُخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام». ولو استقامت الموازين لعلمنا أنَّ القيادة بحق كانت لربعي المغمور لا لرستم المشهور فالقائد يجب أن يُخلص عمله و ويتواضع لجنابه سبحانه. والتنازع على القيادة يُفسد النوايا وتضيع به البلاد والعباد فالمركب تستقر في قعر المحيط إذا بويع لخليفتين وحسبُك أن تُطيع قائدك في غير معصية الله حتَّى وإن كنت أهلاً للقيادة والإمارة فمن الجائز إمامة المفضول للـفاضـل والخـلاف شــر كـلــه ولا تُـبـالي إذا وضــعـوك فـي المؤخرة أو خفي حـالك على الخلق فأنت ممن يتعامل مع الله. قيل عن عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – : إنما أدخله في العبادة ما رأى من ابنه عبد الملك وكان من الصلاة والقوة في دين الله بمكان. والدال على الخير كفاعله ومن نفس المنطلق قد تجد مخايل النجابة وعلامات القيادة المبكرة في ولدك أو في غيره فتعاهده كقوله للصبيان: من يكون معي؟ وتعالوا: أكن أميركم ومن ذلك ما حكاه نضرًا الهلالي قال: كنت في مجلس سفيان بن عيينة فنظروا إلى صبي دخل المسجد فتهاونوا به لصغر سنه فقال سفيان: ( كّذّلٌكّ كٍنتٍم مٌَن قّبًلٍ فّمّنَّ اللَّهٍ عّلّيًكٍمً ) [النساء: 94]
ثم قال: يا نضر لو رأيتني ولي عشر سنين طولي خمسة أشبار ووجهي كالدينار وأنا كشعلة نار ثيابي صغار وأكمامي قصار وذيلي بمقدار ونعلي كآذان الفار وأنا أختلف إلى علماء الأمصار مثل الزهري وعمرو بن دينار أجلس بينهم كالمسمار محبرتي كالجوزة ومقلمتي كالموزة وقلمي كاللوزة فإذا دخلتُ المجلس قالوا: أوسعوا للشيخ الصغير أوسعوا للشيخ الصغير. وعلى كل حال فمن وجد توفيقًا وتسديدًا فالله وفقه ( ومّا تّوًفٌيقٌي إلاَّ بٌاللَّهٌ عّلّيًهٌ تّوّكَّلًتٍ وإلّيًهٌ أٍنٌيبٍ <88> ) [هود: 88]
وعليه أن يزداد طاعة وعبودية لله ويؤدي شكر النعمة التي امتنَّ بها سبحانه عليه ( وإذ تّأّذَّنّ رّبٍَكٍمً لّئٌن شّكّرًتٍمً لأّزٌيدّنَّكٍمً ولّئٌن كّفّرًتٍمً إنَّ عّذّابٌي لّشّدٌيدِ (7) ) [إبراهيم: 7].
وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين.
المصدر: جريدة بلا حدود