قطرات الندى عضو ذهبي
عدد الرسائل : 564 هوايتي : اعلام الدول : السٌّمعَة : 0 نقاط : 945 تاريخ التسجيل : 24/11/2008
| موضوع: وصف المقربين الخميس فبراير 26, 2009 3:45 pm | |
|
يقول شيخ الإسلام ابن القيم –رحمه الله و رفع فى الجنة درجته –
فى كتابه " طريق الهجرتين " :
فاسمع الآن وصف القوم وأحضر ذهنك لشأنهم العجيب وخطرهم الجليل ، فإن وجدت من نفسك حركة وهمة إلى التشبه بهم فاحمد الله وادخل فالطريق واضح والباب مفتوح :
إذا أعجبتك خصـال امريء فكنه تكن مثل ما يعجبـك
فليس على الجود والمكر مـا ت إذا جئتها حاجب يحجبك
فنبأ القوم عجيب
وأمرهم خفي إلا على من له مشاركة مع القوم
فإنه يطلع من حالهم على ما يريه إياه القدر المشترك
وجملة أمرهم :
أنهم قوم قد امتلأت قلوبهم من معرفة الله
وغمرت بمحبته وخشيته وإجلاله ومراقبته
فسرت المحبة في أجزائهم
فلم يبق فيها عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحب
قد أنساهم حبه ذكر غيره
وأوحشهم أنسهم به ممن سواه
وقد فنوا بحبه عن حب من سواه
وبذكره عن ذكر من سواه
وبخوفه ورجائه والرغبة إليه والرهبة منه والتوكل عليه والإنابة إليه والسكون إليه والتذلل والانكسار بين يديه عن تعلق ذلك منهم بغيره
فإذا وضع أحدهم جنبه على مضجعه صعدت أنفاسه إلى إِلهه ومولاه واجتمع همه عليه متذكراً صفاته العلى وأسماءَه الحسنى مشاهداً له فى أسمائه وصفاته
قد تجلت على قلبه أنوارها فانصبغ قلبه بمعرفته ومحبته
فبات جسمه فى فراشه يتجافى عن مضجعه
وقلبه قد أَوى إلى مولاه وحبيبه فآواه إليه
وأسجده بين يديه خاضعاً خاشعاً ذليلاً منكسراً من كل جهة من جهاته
فيا لها سجدة
ما أشرفها من سجدة
لا يرفع رأْسه منها إلى يوم اللقاءِ
وقيل لبعض العارفين:
أيسجد القلب بين يدى ربه؟
قال: أى والله، بسجدة لا يرفع رأْسه منها إلى يوم القيامة.
فإذا صارت صفات ربه وأسماؤه مشهداً لقلبه أنسته ذكر غيره وشغلته عن حب من سواه
وحديث: دواعى قلبه إلى حبه تعالى بكل جزءٍ من أجزاء قلبه وروحه وجسمه
فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذى يسمع به
وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها
ورجله التى يمشى بها
فبه يسمع وبه يبصر
وبه يبطش
وبه يمشى
كما أخبر عن نفسه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
وبالجملة فيبقى قلب العبد- الذى هذا شأْنه- عرشاً للمثل الأعلى
أى عرشاً لمعرفة محبوبه ومحبته وعظمته وجلاله وكبريائه
وناهيك بقلب هذا شأْنه
فياله من قلب من ربه ما أَدناه
ومن قربه ما أحظاه
فهو ينزه قلبه أن يساكن سواه أو يطمئن بغيره
فهؤلاءِ قلوبهم قد قطعت الأكوان وسجدت تحت العرش
وأبدانهم فى فرشهم
كما قال أبو الدرداءِ:
إذا نام العبد المؤمن عرج بروحه حتى تسجد تحت العرش
فإن كان طاهراً أذن لها فى السجود
وإن كان جنباً لم يؤذن لها بالسجود
فإذا استيقظ هذا القلب من منامه صعد إلى الله بهمه وحبه وأشواقه مشتاقاً إليه طالباً له محتاجاً له عاكفاً عليه
فحاله كحال المحب الذى غاب عن محبوبه الذى لا غنى له عنه ولا بد له منه
وضرورته إليه أعظم من ضرورته إلى النفس والطعام والشراب
فإذا نام غاب عنه فإذا استيقظ عاد إلى الحنين إليه
وإلى الشوق الشديد والحب المقلق
فحبيبه آخر خطراته عند منامه
وأولها عند استيقاظه
فإذا استيقظ أحدهم وقد بدر إلى قلبه هذا الشأْن
فأَول ما يجرى على لسانه ذكر محبوبه
والتوجه إِليه واستعطافه والتملق بين يديه
والاستعانة به أَن لا يخلى بينه وبين نفسه
وأَن لا يكله إليها فيكله إلى ضعف وعجز وذنب وخطيئة
بل يكلأه كلاءَة الوليد الذى لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً
فأَول ما يبدأُ به "الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أَماتنا وإليه النشور"
متدبراً لمعناها من ذكر نعمة الله عليه بأَن أحياه بعد نومه الذى هو أخو الموت
وأعاده إلى حاله سوياً سليماً محفوظاً مما لا يعلمه ولا يخطر بباله من المؤذيات [المهلكات]
فإذا تصور العبد ذلك فقال:
((الْحَمْدُ للهِ)) كان حمده أَبلغ وأَكمل من حمد الغافل عن ذلك، ثم تفكر فى أَن الذى أَعاده بعد هذه الإماتة حياً سليماً قادراً على أَن يعيده بعد موتته الكبرى حياً كما كان، ولهذا يقول بعدها:
((وَإِلَيْهِ الْنُّشُورُ))
ثم يقول:
((لا إِلَهَ إِلا الله وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَالْحَمْدُ للهِ وسُبْحَانَ الله وَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاللهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ))
ثم يدعو ويتضرع، ثم يقوم إلى الوضوء بقلب حاضر مستصحب لما فيه ثم يصلى ما كتب الله له
صلاة محب لمحبوبه متذلل منكسر بين يديه
لا صلاة مدل بها عليه
يرى من أَعظم نعم محبوبه عليه أَن أَقامه وأَنام غيره
واستزاره وطرد غيره
وأهله وحرم غيره
فهو يزداد بذلك محبة إلى محبته
ويرى أَن قرة عينه وحياة قلبه وجنة روحه ونعيمه ولذته وسروره فى تلك الصلاة
فهو يتمنى طول ليله
ويهتم بطلوع الفجر
فهو يتملق فيها مولاه تملق المحب لمحبوبه العزيز الرحيم
ويناجيه بكلامه معطياً لكل آية حظها من العبودية
فتجذب قلبه وروحه إليه آيات المحبة والوداد
والآيات التى فيها الأَسماءُ والصفات
والآيات التى تعرف بها إلى عباده بآلائه وإنعامه عليهم وإِحسانه إِليهم
وتطيب له السير آيات الرجاءِ والرحمة وسعة البر والمغفرة
فتكون له بمنزلة الحادى الذى يطيب له السير ويهونه عليه
وتقلقه آيات الخوف والعدل والانتقام وإِحلال غضبه بالمعرضين عنه العادلين به غيره المائلين إلى سواه
فيجمعه عليه ويمنعه أن يشرد قلبه عنه
فإِذا صلى ما كتب الله جلس مطرقاً بين يدى ربه تعالى هيبة له وإِجلالاً واستغفره استغفار من قد تيقن أَنه هالك إن لم يغفر له ويرحمه
فإذا قضى من الاستغفار وطرا
وكان عليه بعد ليل اضطجع على شقه الأَيمن مجماً نفسه مريحاً لها مقوياً على أَداءِ وظيفة الفرض
فيستقبله نشيطاً بجده وهمته كأنه لم يزل طول ليلته لم يعمل شيئاً
فهو يريد أَن يستدرك ما فاته فى صلاة الفجر
فيصلى السُّـنَّة ويبتهل إلى الله بينها وبين الفريضة
فإِن لذلك الوقت شأْناً يعرفه من عرفه
ويكثر فيه من قول:
((يَا حَى، يَا قَيُّوم، لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ))
فلهذا الذكر فى هذا الموطن تأثير عجيب
ثم ينهض إلى صلاة الصبح قاصداً الصف الأول عن يمين الإِمام أو خلف قفاه
فإِن فاته ذلك قصد القرب منه مهما أمكن فإِن للقرب من الإِمام تأثيراً فى سر الصلاة
ولهذا القرب تأْثير فى صلاة الفجر خاصة يعرفه من عرف قوله تعالى:
{ وَقُرْآنَ الْفَجْر إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْر كَانَ مَشْهُوداً }* [الإسراء: 78].
فإذا فرغ من صلاة الصبح أقبل بكليته على ذكر الله والتوجه إليه بالأذكار التى شرعت أول النهار فيجعلها ورداً له لا يخل بها أبداً
ثم يزيد عليها ما شاءَ من الأذكار الفاضلة أو قراءة القرآن حتى تطلع الشمس
فإذا طلعت فإن شاءَ ركع ركعتى الضحى وزاد ما شاءَ
وإن شاءَ قام من غير ركوع
ثم يذهب متضرعاً إلى ربه سائلاً له أن يكون ضامناً عليه متصرفاً فى مرضاته بقية يومه
فلا ينقلب إلا فى شيء يظهر له فيه مرضاة ربه
وإن كان من الأفعال العادية الطبيعية قلبه عبادة بالنية وقصد الاستعانة به على مرضاة الرب
فإذا جاءَ فرض الظهر بادر إليه مكملاً له ناصحاً فيه لمعبوده كنصح المحب الصادق المحبة لمحبوبه الذى قد طلب منه أن يعمل له شيئاً ما
فهو لا يبقى مجهوداً
بل يبذل مقدوره كله فى تحسينه وتزيينه وإصلاحه وإكماله
ليقع موقعاً من محبوبه فينال به رضاه عنه وقربه منه
وبالجملة فهذا حال هذا العبد مع ربه فى جميع أعماله
فهو يعلم أنه لا يوفى هذا المقام حقه، فهو أبداً
يستغفر الله عقيب كل عمل
وجماع الأمر فى ذلك
إنما هو بتكميل عبودية الله عز وجل فى الظاهر والباطن
فتكون حركات نفسه وجسمه كلها فى محبوبات الله
وكمال عبودية العبد موافقته لربه فى محبته ما أَحبه
وبذل الجهد فى فعله
وموافقته فى كراهة ما كرهه
وبذل الجهد فى تركه
وهذا إنما يكون للنفس المطمئنة
لا للأَمَّارة ولا للَّوامة
فهذا كمال من جهة الإرادة والعمل
وأما من جهة العلم والمعرفة
فأن تكون بصيرته منفتحة فى معرفة الأَسماءِ والصفات والأفعال
له شهود خاص فيها مطابق لما جاءَ به الرسول صلى الله عليه وسلم لا مخالف له
ويكون مع ذلك قائماً بأحكام العبودية الخاصة التى تقتضيها كل صفة بخصوصها
وهذا سلوك الأكياس الذين هم خلاصة العالم
والسالكون على هذا الدرب أفراد من العالم
طريق سهل قريب موصلة
طريق آمن أَكثر السالكين فى غفلة عنه
فوا أَسفاه وواحسرتاه، كيف ينقضى الزمان وينفد العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، وخرج من الدنيا كما دخل إِليها وما ذاق أَطيب ما فيها، بل عاش فيها عيش البهائم وانتقل منها انتقال المفاليس، فكانت حياته عجزاً وموته كمداً ومعاده حسرة وأسفاً.
اللَّهم [ولك] الحمد وإليك المستشكى، وأنت المستعان وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك.
الوصف منقول بإختصار
our iman
| |
|
هداية عضو ذهبي
عدد الرسائل : 766 الموقع : السعودية هوايتي : اعلام الدول : السٌّمعَة : 0 نقاط : 1279 تاريخ التسجيل : 16/11/2008
| موضوع: رد: وصف المقربين السبت فبراير 28, 2009 3:23 pm | |
|
ما اروعها من صفات وما اجمل من يتحلى بها والاجمل النتيجة وهي القرب من الله
اسال الله الكريم رب العرش العظيم ان يجعلنا منهم
| |
|