ما اروعها من سلوى للنفس وغذاء للروح والقلب
وهبها ايانا رب البرية حتى تستكمل البشرية به التميز والرقي والنجاح
وهو الذي خلقها ويعرف ما يصلح به احوالها
ايات الله نتلوها فتنتعش ارواحنا لتحلق في الافاق
من اعظم نعمه سبحانه التي كرمنا بها من فوق سبع سموات
بان خصنا بكتابه الكريم
الذي لم يستطع الوليد بن المغيرة - وهو الذي كان اشد عداوة للاسلام والمسلمين -ان يجد له وصفا اخر الا ان قال:
والله إن فيه لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحكم ما تحته! واذا كان هذا هو وصفه له فما نقول نحن عندما نتلو اياته ونستشعر المعاني الجمالية والروحية فيها
والله انها لسعادة تفوق الوصف ..تميزها عن اية سعادة دنيوية اخرى
وعندما تتعمق مشاعر الايمان في النفس المؤمنة تزيدها شفافية وارتقاء
تستحيل بها النفوس ربانية بينما تعيش على الارض
موازينها هي موازين الله ، والقيم التي تعتز بها وتسابق عليها هي القيم التي تثقل بها هذه الموازين
تشعر هذه القلوب بحقيقة الله فتخشع لذكره وترجف وتفر من كل عائق وكل جاذب يعوقها عن الفرار اليه
قلوبها معلقة بمرضاته املا بالفوز بجناته
وفي مشهد لهؤلاء المؤمنين والمؤمنات يوم القيامة تصورهم الايات - في سورة الحديد - كاروع ما تكون
وقد فازوا بجنات الخلود ونورهم يسعى بين ايديهم
وتخال النور يخرج من بين حروفها يغبطهم كل من يمر عليها ويدعو الله ان يكون منهم
ولا اجد الا ان اتوقف عند هذه الايات لابحث في تفسيرها
يقول تعالى:
حيث تذكر الايات في وصف هؤلاء المؤمنين انهم يوم القيامة يسعى نورهم بين ايديهم حسب اعمالهم
كما قال عبدالله بن مسعود : انهم على قدر اعمالهم يمرون على الصراط
منهم من نوره مثل الجبل ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم وادناهم نورا من نوره في ابهامه يتقد مرة ويطفأ مرة
وقال الضحاك: ليس احدا الا يعطى نورا يوم القيامة فاذا انتهوا الى الصراط طفئ نور المنافقين
وفي الحديث الذي ورد عن ابي الدرداء انه عندما سئل صلى الله عليه وسلم كيف يعرف امته يوم القيامة من بين الامم ، قال:
اعرفهم محجلون من اثر الوضوء ولا يكون لاحد من الامم غيرهم
وأعرفهم يؤتون كتبهم بايمانهم
واعرفهم بسيماهم في وجوههم
واعرفهم بنورهم يسعى بين ايديهم
ويقال لهم لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الانهار ماكثين فيها ابدا
وفي الاية التالية:
فيها اخبار منه سبحانه عما يقع يوم القيامة في العرصات من الاهوال المزعجة والزلازل العظيمة والامور الفظيعة
وانه لا ينجو يومئذ الا من امن بالله ورسوله
وعمل بما امر الله به
وترك ما عنه زجر
وفيها انه لا يستضئ المنافق والكافر بنور المؤمن كما لا يستضئ الاعمى ببصر البصير
يقول سليم ابن عامر : فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن
وقال ابن عباس:
بينما الناس في ظلمة اذ بعث الله نورا ، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه وكان النور دليلا من الله الى الجنة ،
فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فاظلم الله على المنافقين ، فقالوا حينئذ ( انظرونا نقتبس من نوركم) فإنا كنا معكم في الدنيا
قال المؤمنون: (ارجعوا وراءكم) من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور
سبحان الله من عاش في نور فسيجد النور والحبور
ومن عاش في ظلمات فلن يجد غيرها جزاء ما قدمت يداه
فضرب بينهم بسور -يحجز بين المؤمنين والمنافقين
فاذا انتهى اليه المؤمنون دخلوه من بابه، فاذا استكمل دخولهم اغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب
- كما كانوا في الدنيا في كفر وشك وحيرة -
وينادي المنافقون المؤمنين :
اما كنا معكم في الدار الدنيا تشهد معكم الجماعات ونحضر معكم الغزوات ونؤدي معكم سائر الواجبات؟
قالوا: بلى قد كنتم معنا
قال بعض السلف: في تفسير (ولكنكم فتنتم انفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الاماني):
اي فتنتم انفسكم باللذات والمعاصي والشهوات
وتربصتم: اي اخرتم التوبةمن وقت الى وقت
وارتبتم : اي بالبعث بعد الموت
وغرتكم الاماني: اي قلتم سيغفر لنا ، وقبل غرتكم الدنيا
حتى جاء امر الله: اي ما زلتم في هذا حتى جاءكم الموت
وغركم بالله الغرور : اي الشيطان
وقال قتادة: كانوا على خدعة من الشيطان ، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار
ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين:
انكم كنتم معنى اي بالابدان لا نية لها ولا قلوب معها وانما كنتم في حيرة وشك
فكنتم تراءون الناس ولا تذكرون الله الا قليلا .
نسأل الله تعالى ان نكون من المؤمنين حقا
وان يرزقنا الاخلاص في القول والنية والعمل
ونعوذ به سبحانه ان نكون من المنافقين
المرجع: مختصر تفسير ابن كثير