الصبر المحمدي :
(كان الصبر- وهو حبس النفس على طاعة الله تعالى حتى لا تفارقها،وعن معصية الله تعالى حتى لا تقربها،وعلى قضاء الله تعالى حتى لا تجزع له ولا تسخط عليه- هو خُلق محمد صلى الله عليه وسلم،فقد صبر وصابر طيلة عهد إبلاغ رسالته الذي دام ثلاثاً وعشرين سنة،فلم يجزع يوماً، ولم يتخلَّ عن دعوته وإبلاغ رسالته حتى بلغ بها الآفاق التي شاء الله تعالى أن تبلغها،وباستعراض المواقف التالية تتجلى لنا حقيقةالصبر المحمدي الذي هو فيه أسوة كل مؤمن ومؤمنة في معترك الحياة:
صبره صلى الله عليه وسلم على أذى قريش طوال فترة بقاءه بينهم بمكة ،فقد ضربوه وألقوا روث الجزور على ظهره ، وسبوه واتهموه بالجنون مرة وبأنه ساحر مرة ،وبأنه كاهن مرة، وبأنه شاعر مرة ،وعذبوا أصحابه وحاصروه معهم ثلاث سنوات مع بني هاشم في شعب أبي طالب، وحكموا عليه بالإعدام وبعثوا رجالهم لتنفيذ الحكم إلا أن الله عز وجل سلَّمه وعصم دمه.
و صبره صلى الله عليه وسلم عام الحزن حين ماتت خديجة الزوجة الحنون التي صدقته حين كذبه الناس، وآوته حين طرده الناس، وأعطته حين حرمه الناس، وواسته حين اتهمه الناس...وصبره حين مات العم الحاني الحامي المدافع عنه ،فلم توهن هذه الرزايا من قدرته وقابل ذلك بصبر لم يعرف له في تاريخ الأبطال مثيل و لا نظير.
وصبره في كافة حروبه في بدر وفي أُحد وفي الخندق وفي الفتح وفي حنين وفي الطائف حين حاربته البلدة كلها ،وفي تبوك فلم يجبن ولم ينهزم ولم يفشل ولم يمل، حتى خاض حروبا عدة وقاد سرايا عديدة ،فقد عاش من غزوة إلى أخرى طيلة عشر سنوات !!! فأي صبر أعظم من هذا الصبر؟!!
و صبره صلى الله عليه وسلم على الجوع الشديد،فقد مات صلى الله عليه وسلم ولم يشبع من خبز الشعير مرتين في يوم واحد قط!!!وهو الذي لو أراد أن يملك الدنيا لملكها ولكنه آثر الآخرة ونعيمها)
::
::
الرحمة المحمدية
كان صلى الله عليه وسلم يرحم الناس( رحمة الأقوياء الباذلين وليست رحمة الضعفاء البائسين،وكان يمارسها ممارسة مؤمن بها، متمضخ بعطرها، مخلوق من عجينتها)
حتى أن ربه قال عن رحمته صلى الله عليه وسلم لسائر الخلق"وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين"،وقال عن رحمته للمؤمنين خاصة:" بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم"
وحين أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة فخرج إلى الطائف،وقف أهلها في صفين يرمونه بالحجارة ،فدميت قدماه الشريفتان ، وشكا إلى الله تعالى ضعف قوته وقلة حيلته وهوانه على الناس ...فنزل جبريل عليه السلام ، (وقال يا محمد:" لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين "جبلين بمكة" لفعلت" ، فقال له رسول الرحمة والتسامح:" لا ، لعل الله يخرج من بين ظهرانيهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا" ، و قد صحت نظرة الرحمة والحلم المحمدية ، ودخل الناس في هذه الأماكن وغيرها في دين الله أفواجا !!!
وكان صلى الله عليه وسلم رحيماً حتى في مقاتلته لأعداء دينه،فقد كان يوصي جيشه المقاتل بألا يضرب إلا من يضربه أو يرفع عليه السلاح ، وكان يقول" لا تقتلوا امرأة ولا وليداً ولا شيخا ولا تحرقوا نخيلا ولا زرعا، كما كان يحرص على عدم التمثيل بهم أو المبالغة في إهانتهم ، فيقول :" إجتنبوا الوجوه ولا تضربوها"!! )
(وورد في البخاري مما رواه أنس رضي الله عنه أن غلاماً يهودياً كان يخدم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما مرض،عاده الرسول الكريم فقعد على رأسه وقال له :" أسلِم " فنظر إلى أبيه و هو عنده،فقال:"أطع أبا القاسم"، فأسلم الغلام، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:" الحمد لله الذي أنقذه من النار"!!)
وكان صلى الله عليه وسلم يوصي بالضعفاء رحمة بهم، فنراه يوصي باليتامى قائلا:" خير البيوت بيت فيه يتيم مُكرَم"؛ وبالنساء قائلاً: " إستوصوا بالنساء خيرا فإنهن خُلقن من ضلع أعوج"؛وبما ملكت الأيمان،(فنجد آخر كلماته صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة:" الصلاة، وما ملكت أيمانكم،حتى جعل يغرغر بها صدره وما يكاد يفيض بها لسانه!!!)